توجد في ثقافتنا الإفريقية العربية شجرتان فخمتان مرتبطتان بالكثير من قصصنا وأنماط حياتنا. لقد رافقت كل منهما آلاف الأجيال لآلاف السنوات، فعاشوا بثمارهما وتتداووا بهما وحبكوا رواياتهم وبطولاتهم وأساطيرهم حولهما. إنهما النخلة والباوباب، التي تترجم تارة، وتعسفا ربما بـ”الدوم”. “جسور” التي تسعى للتعريف بكل ما له علاقة بالموروث الثقافي في العالمين الإفريقي والعربي، تقدم هنا لمحة مختصرة عن هاتين الشجرتين العظيمتين في المخيال الجمعي للأمتين الإفريقية والعربية.
النخلة
جنس من النباتات من الفصيلة الفوفلية. تعيش في أماكن مختلفة مثل المستنقعات والصحاري. ينشأ أكثر أنواع النخيل في المناطق الشبه قاحلة وعادة تكون بالقرب من مستويات المياه الجوفية العالية.
يعد هذا الجنس فريد من نوعه من بين أسرة الكوريفاويات، لكونه الوحيد الذي له ورق ريشي، بدلا من الأوراق الخوصية.
تنتمي نخلة التمْر أو نخلة البَلـَح إلى الفصيلة الفوفلية وتنتشر في جل البلدان العربية. وهي شجرة معمرة، لها ساق غليظة ترتفع نحو 30 مترا تتوجها أوراق ريشية كبيرة (السعف).
النخل نبات ثنائي فهناك نخل ذكري وآخر أنثوي كلاهما يخرج عراجين ويتوجب نقل بعض العراجين الذكرية لرش طلعها على العراجين الأنثوية لتلقح عقب انشقاق الاغريض الحاوي على العراجين الأنثوية وبروزها منه لتثمر عن بلح أخضر يتحول إلى اللون الأصفر أو الأحمر.
يؤكل ثمر النخلة على شكل البسر أو الرطب، ويؤكل لبعض الأصناف الأخرى على شكل تمر أو بعد أن يجف. بلح النخلة ذو قيمة غذائية عالية ويمكن اعتباره غذاء كاملا لأنه يحتوي على السكريات والبروتين وأملاح مثل أملاح البوتاسيوم وفيتامينات. وينتج النخيل ثماره في منتصف الصيف عادة.
يشتهر النخيل في مصر والسعودية وعُمان والإمارات والعراق والجزائر وليبيا وتونس والمغرب والسودان وموريتانيا.
النخلة صديقة البيئة لأن جميع مخلفاتها يستفيد منها الإنسان فلها فوائد كثيرة حيث تصنع من أليافها الحبال ومواد الحشو للأثاث، ومن أوراقها الزنابيل والقفف والقبعات الشعبية، ومن جريدها تصنع السلال وأوعية نقل الفواكة والخضراوات والأثاث الخفيف مثل الكراسي والأسرة، ومن نوى التمر تستخرج زيوت وتستخدم البواقي كعلف للحيوانات، وجذع النخلة المقطوعة يستخدم لتسقيف المنازل الريفية وكدعامات.
وتقول بعض الدراسات ان العالم العربي يمتلك 90% من نخيل العالم. وقد اعتمدت عليها حضارات كثيرة، منها الفرعونية في مصر، والبابلية في العراق.
الباوباب
يدعوها البعض الدوم، كما تعرف تارة بشجرة التبلدي أو التيدوم لدى بعض الشعوب العربية في بعض الأقاليم الإفريقية، لكن أسماءها المتعارف عليها أكثر هي الباوباب أو شجرة القارورة أو الشجرة المقلوبة أو شجرة خبز القرود. إنها جنس نباتي من فصيلة الخبازيات.
شجرة الباوباب، كأختها النخلة، عملاقة معمّرة، لديها خاصية نفض الأوراق لتصبح عارية تماما في جل فصول السنة. موطن الباوباب الأصلي يمتد من شرق القارة الأفريقية إلى غربها. قطر جذعها يتراوح بين 7 إلى 15 مترا، وقياس جذعها لا يبقى ثابتاً، إذ يختلف من سنة لأخرى زيادة أو نقصاناً، تبعاً لرطوبة التربة وكمية الأمطار الساقطة في تلك السنة. في موسم الأمطار تخزّن الشجرة في أنسجة جذعها كميات كبيرة من الماء تستخدمه في فصل الجفاف، واعتادت الفيلة سلخ قلف الجذع للوصول إلى الأنسجة الرطبة المشبعة بالماء لتروي ظمأها.
يملأ جوف ثمرة الباوباب عدد كبير من البذور التي تكون بحجم حبة الفاصوليا ذات القشرة البنية الغامقة، وتفصل البذور عن بعضها مادة هشة دقيقية القوام، لونها أبيض عسلي، حامضية الطعم، تحتوي على كميات عالية من فيتامين سي وحامض التاتاريك وحامض الستريك، ولها خاصية الذوبان في الماء. ومن هذه المادة الدقيقية، يُعمل في مناطق زراعة الأشجار في أفريقيا مشروب منعش ملطف.
شجرة الباوباب تحترمها الأعراق والقبائل التي تقطن في منطقة انتشارها في أفريقيا، فهي عندهم شجرة الحياة، ترمز إلى الخصوبة والعطاء. هذا الإحترام نابع من المعتقدات والأساطير والحكايات الشعبية التي تـُـروى عن هذه الشجرة، فالناس يعتقدون بأن من يشرب من الماء المستخلص من عصر قلف الباوباب تصبح لديه القوة والشجاعة، وفي بعض المناطق الأفريقية يعمد الناس غسل جسم الأطفال الصغار بماء القلف ليكونوا أبطالا في المستقبل. وهناك اعتقاد بأن من يمتص رطوبة البذور يحصل على الحماية من التعرض لمهاجمة التماسيح، بينما من يأكل البذور يجلب إليه خطر التماسيح. وخوفاً من فاجعة تصيبهم لا أحد يجازف بقطع زهرة الشجرة لاعتقادهم بأن أرواح الأسود تسكن هذه الأزهار، ومن يقطع زهرة منها فسيكون مصيره الإفتراس من قبل الأسود. وتقول بعض الأساطير الإفريقية أن شجرة الباوباب هي أول شجرة أنبتها الخالق على وجه الأرض.
وفي بعض المناطق الإفريقية فشجرة الباوباب من الأشجار المحمية التي يمنع قطعها، ومنذ سنة 1941 تتمتع الباوباب بالحماية في دولة جنوب إفريقيا مثلا.
فوائد هذه الشجرة كثيرة فمن ألياف لحائها السميك تصنع شباك صيد الأسماك وحبال وأقمشة للحقائب والملابس. ولها منتجات طبية مهمة بالإضافة إلى استخدامها كمخزن مياه.
Africa-Arab Cultural Institute